سورة النساء - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


اختلفوا في نزولها على قولين.
أحدهما: أنها مكيَّة، رواه عطيّة عن ابن عباس، وهو قول الحسن، ومجاهد، وجابر بن زيد، وقتادة.
والثاني: أنها مدنية، رواه عطاء عن ابن عباس، وهو قول مقاتل. وقيل: إنها مدنية، إِلا آية نزلت بمكة في عثمان بن طلحة حين أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منه مفاتيح الكعبة، فيسلِّمها إلى العباس، وهي قوله: {إِن اللهَ يأمُرُكُمْ أنْ تُؤدُّوا الأمَانَاتِ إلى أهْلِهَا} ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {اتقوا ربكم}. فيه قولان:
أحدهما: أنه بمعنى الطاعة، قاله ابن عباس. والثاني: بمعنى الخشية. قاله مقاتل.
والنفس الواحدة: آدم، وزوجها حواء ومِن في قوله: {وخلق منها} للتبعيض في قول الجمهور. وقال ابن بحر: منها، أي: من جنسها.
واختلفوا أي وقت خلقت له، على قولين:
أحدهما: أنها خلقت بعد دخوله الجنة، قاله ابن مسعود، وابن عباس.
والثاني: قبل دخوله الجنة، قاله كعب الأحبار، ووهب، وابن إسحاق.
قال ابن عباس: لما خلق الله آدم، ألقى عليه النوم، فخلق حواء من ضِلَع من أضلاعه اليُسرى، فلم تؤذه بشيء ولو وجد الأذى ما عطف عليها أبداً، فلما استيقظ؛ قيل: يا آدم ما هذه؟ قال: حواء.
قوله تعالى: {وبثَّ منهما} قال الفراء: بثَّ: نشر، ومن العرب من يقول: أبث الله الخلق، ويقولون: بثثتك ما في نفسي، وأبثثتك.
قوله تعالى: {الذي تساءلون به} قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، والبرجمي، عن أبي بكر، عن عاصم. واليزيدي، وشجاع، والجعفي، وعبد الوارث. عن أبي عمرو: {تسّاءلون} بالتشديد. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي، وكثير من أصحاب أبي عمرو عنه بالتخفيف.
قال الزجاج: الأصل: تتساءلون، فمن قرأ بالتشديد. أدغم التاء في السين، لقرب مكان هذه من هذه، ومن قرأ بالتخفيف، حذف التاء الثانية لاجتماع التاءين.
وفي معنى {تساءلون به} ثلاثة أقوال.
أحدها: تتعاطفون به، قاله ابن عباس. والثاني: تتعاقدون، وتتعاهدون به. قاله الضحاك، والربيع.
والثالث: تطلبون حقوقكم به، قاله الزجاج.
فأما قوله: {والأرحام} فالجمهور على نصب الميم على معنى: واتقوا الأرحام أن تقطعوها، وفسّرها على هذا ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والسُّدّي، وابن زيد. وقرأ الحسن، وقتادة، والأعمش، وحمزة بخفض الميم على معنى: تساءلون به وبالأرحام، وفسرها على هذا الحسن، وعطاء، والنخعي.
وقال الزجاج: الخفض في {الأرحام} خطأ في العربية لا يجوز إلا في اضطرار الشعر، وخطأ في الدين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحلفوا بآبائِكم» وذهب إلى نحو هذا الفرّاء، وقال ابن الأنباري: إِنما أراد، حمزة الخبر عن الأمر القديم الذي جرت عادتهم به، فالمعنى: الذي كنتم تساءلون به وبالأرحام في الجاهلية. قال أبو علي: من جر، عطف على الضمير المجرور بالباء، وهو ضعيف في القياس، قليل في الاستعمال، فترك الأخذ به أحسن.
فأما الرقيب، فقال ابن عباس، ومجاهد: الرقيب: الحافظ. وقال الخطابي: هو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء، وهو في نعوت الآدميين الموكل بحفظ الشيء، المترصد له، المتحرز عن الغفلة فيه، يقال منه: رَقَبْتُ الشيء أرْقُبُه رِقْبَةً.


قوله تعالى: {وآتوا اليتامى أموالهم} سبب نزولها: أن رجلاً من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم، فلما بلغ، طلب ماله فمنعه، فخاصمه إِلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت، قاله سعيد بن جبير. والخطاب بقوله: {وآتوا} للأولياء والأوصياء. قال الزجاج: وإِنما سموا يتامى بعد البلوغ، بالاسم الذي كان لهم، وقد كان يقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يتيم أبي طالب.
قوله: {ولا تتبدّلوا الخبيث بالطيب} قرأ ابن محيصن: {تبدلوا} بتاء واحدة. ثم في معنى الكلام قولان:
أحدهما: أنه إِبدال حقيقة، ثم فيه قولان:
أحدهما: أنه أخذ الجيّد، وإعطاء الرديء مكانه، قاله سعيد بن المسيب، والضحاك، والنخعي، والزهري، والسُّدّي. قال السدي: كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم، ويجعل مكانها المهزولة، ويأخذ الدراهم الجياد، ويطرح مكانها الزيوف.
والثاني: أنه الربح على اليتيم، واليتيم غرّ لا عِلْمَ له، قاله عطاء.
والقول الثاني: أنه ليس بإبدال حقيقة، وإنما هو أخْذه مستهلكاً، ثم فيه قولان:
أحدهما: أنهم كانوا لا يورثون النساء والصغار، وإنما يأخذ الميراث الأكابر من الرجال، فنصيب الرجل من الميراث طيب، وما أخذه من حق اليتيم خبيث، هذا قول ابن زيد.
والثاني: أنه أكل مال اليتيم بدلاً من أكل أموالهم، قاله الزجاج.
و{إلى} بمعنى مع والحوب: الإِثم. وقرأ الحسن، وقتادة، والنخعي بفتح الحَاء.
قال الفرّاء: أهل الحجاز يقولون: حُوب بالضم، وتميم يقولونه بالفتح. قال ابن الأنباري: وقال الفراء: المضموم الاسم، والمفتوح المصدر. قال ابن قتيبة: وفيه ثلاث لغات: حُوب، وحَوب، وحاب.


قوله تعالى: {وإِن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى} اختلفوا في تنزيلها، وتأويلها على ستة أقوال.
أحدها: أن القوم كانوا يتزوجون عدداً كثيراً من النساء في الجاهلية، ولا يتحرّجون من ترك العدل بينهن، وكانوا يتحرّجون في شأن اليتامى، فقيل لهم بهذه الآية: احذروا من ترك العدل بين النساء، كما تحذرون من تركه في اليتامى، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس، وسعيد بن جبير والضحاك، وقتادة، والسدي، ومقاتل.
والثاني: أن أولياء اليتامى كانوا يتزوجون النساء بأموال اليتامى، فلما كثر النساء، مالوا على أموال اليتامى، فَقُصِروا على الأربع حفظاً لأموال اليتامى. وهذا المعنى مروي عن ابن عباس أيضاً، وعكرمة.
والثالث: أن معناها: وإن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا في صدقات اليتامى إذا نكحتموهن، فانكحوا سواهن من الغرائب اللواتي أحلَّ الله لكم، وهذا المعنى مروي عن عائشة.
والرابع: أن معناها: وإن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا في نكاحهن، وحذرتم سوء الصحبة لهن، وقلة الرغبة فيهن، فانكحوا غيرهن، وهذا المعنى مروي عن عائشة أيضا، والحسن.
والخامس: أنهم كانوا يتحرّجون من ولاية اليتامى، فأمِروا بالتحرّج من الزنى أيضا، ونُدبوا إلى النكاح الحلال، وهذا المعنى مروي عن مجاهد.
والسادس: أنهم تحرجوا من نكاح اليتامى، كما تحرجوا من أموالهم، فرخّص الله لهم بهذه الآية، وقصرهم على عدد يمكن العدل فيه، فكأنه قال: وإِن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا فيهن، فانكحوهن، ولا تزيدوا على أربع لتعدلوا، فإن خفتم أن لا تعدلوا فيهن، فواحدة، وهذا المعنى مروي عن الحسن.
قال ابن قتيبة: ومعنى قوله: وإن خفتم، أي فإن علمتم أنكم لا تعدلون، بين اليتامى يقال: أقسط الرجل: إذا عدل ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «المقسطون في الدنيا على منابر من لؤلؤ يوم القيامة» ويقال: قسط الرجل: إذا جار ومنه قول الله: {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا} وفي معنى العدل في اليتامى قولان:
أحدهما: في نكاح اليتامى، والثاني: في أموالهم.
قوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم} أي: ما حل لكم.
قال ابن جرير: وأراد بقوله: ما طاب لكم، الفعل دون أعيان النساء، ولذلك قال: {ما} ولم يقل: من واختلفوا: هل النكاح من اليتامى، أو من غيرهن؟ على قولين قد سبقا.
قوله تعالى: {مثنى وثلاث ورباع}.
قال الزجاج: هو بدل من {ما طاب لكم} ومعناه: اثنتين اثنتين، وثلاثاً ثلاثاً، وأربعاً أربعاً، وإِنما خاطب الله العرب بأفصح اللغات، وليس من شأن البليغ أن يعبّر في العدد عن التسعة باثنتين، وثلاث، وأربع، لأن التسعة قد وضعت لهذا العدد، فيكون عِيَّاً في الكلام.
وقال ابن الأنباري: هذه الواو معناها التفرّق، وليست جامعة، فالمعنى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى، وانكحوا ثُلاث في غير الحال الأولى، وانكحوا رُباع في غير الحالين.
وقال القاضي أبو يعلى: الواو هاهنا لإِباحة أيِّ الأعداد شاء، لا للجمع، وهذا العدد إنما هو للأحرار، لا للعبيد، وهو قول أبي حنيفة والشافعي.
وقال مالك: هم كالأحرار. ويدل على قولنا: أنه قال: فانكحوا، فهذا منصرف إلى مَن يملك النكاح، والعبد لا يملك ذلك بنفسه، وقال في سياقها {فواحدةً أو ما ملكت أيمانكم}، والعبد لا ملك له، فلا يباح له الجمع إِلا بين اثنتين.
قوله تعالى: {فإن خفتم} فيه قولان. أحدهما: علمتم، والثاني: خشيتم.
قوله تعالى: {أن لا تعدلوا} قال القاضي أبو يعلى: أراد العدل في القسم بينهن.
قوله تعالى: {فواحدةً} أي: فانكحوا واحدة، وقرأ الحسن، والأعمش، وحميد: فواحدةٌ بالرفع، المعنى فواحدة تقنع.
قوله تعالى: {أو ما ملكت أيمانكم} يعني: السراري. قال ابن قتيبة: معنى الآية: فكما تخافون أن لا تعدلوا بين اليتامى إذا كفلتموهم، فخافوا أيضا أن لا تعدلوا بين النساء إذا نكحتموهن، فَقَصَرَهم على أربع، ليقدروا على العدل، ثم قال: فإن خفتم أن لا تعدلوا بين هؤلاء الأربع، فانكحوا واحدةا واقتصروا على ملك اليمين.
قوله تعالى: {ذلك أدنى} أي: أقرب. وفي معنى {تعولوا} ثلاثة أقوال.
أحدهما: تميلوا، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وعكرمة، وعطاء، وإبراهيم، وقتادة، والسدي، ومقاتل، والفراء. وقال أبو مالك، وأبو عبيد: تجوروا.
قال ابن قتيبة، والزجاج: تجوروا وتميلوا بمعنى واحد. واحتكم رجلان من العرب إلى رجل، فحكم لأحدهما، فقال المحكوم عليه: إنك والله تعول علي، أي: تميل وتجور.
والثاني: تضلوا، قاله مجاهد، والثالث: تكثر عيالكم، قال ابن زيد، ورواه أبو سليمان الدمشقي في تفسيره عن الشافعي، وردّه الزجاج، فقال: جميع أهل اللغة يقولون: هذا القول خطأ، لأن الواحدة يعولها، وإِباحة ملك اليمين أزيد في العيال من أربع.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8